التفليد

التقليد عند الشيعة والمخالفين
التقليد عند المخالفين

قال الألباني - :
لا أعلم دليلا على تحريم التقليد بل التقليد لا بد منه لمن لا علم عنده ، وقد قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )النحل - الآية 43. فهذه الآية جعلت المسلمين من العلم العلم قسمين :
1/ عالم وأوجب عليه أن يجيب السائل
2/ غير عالم و أوجب عليه أن يسأل العالم
فلو كان رجلا من عامة الناس جاء لعالم فسأله فأجابه العالم فقد طبق هذا الرجل هذه الآية ...
( سؤال رقم 32 من فتاوى المدينة )


قال العلامة بن عثيمين
والتقليد نوعان: عام وخاص.
فالعام: أن يلزم مذهباً معيناً يأخذ برخصه وعزائمه في جميع أمور دينه. وقد اختلف العلماء فيه: فمنهم: مَن حكى وجوبه لتعذر الاجتهاد في المتأخرين. ومنهم مَن حكى تحريمه لما فيه من الالتزام المطلق لاتباع غير النبي صلى الله عليه وسلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن في القول بوجوب طاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه هو خلاف الإجماع, وجوازه ما فيه).
والخاص: أن يأخذ بقول معين في قضية معينة, فهذا جائز إذا عجز عن معرفة الحق بالاجتهاد سواءً عجز عجزاً حقيقياً أو استطاع ذلك مع المشقة العظيمة.انتهى من شرح الأصول الستة ( ص61-62 ) للعلامة محمد صالح العثيمين الطبعة الأولى1423- 2003م لمكتبة عبدالمصور محمد عبدالله.


العلامة بن باز
حكم تقليد المذاهب الأربعة لقد ظهر بين الشباب ظاهرة ألا وهي أنهم يقولون لا نتبع شيئا من المذاهب الأربعة، بل نجتهد مثلهم، ونعمل مثلما عملوا ولا نرجع إلى اجتهادهم. فما رأيكم في هذا وما نصيحتك لهؤلاء؟ هذا الكلام قد يستنكر بالنسبة لبعض الناس. ولكن معناه في الحقيقة لمن تأهل صحيح، فلا يجب على الناس أن يقلدوا أحدا، ومن قال: إنه يجب تقليد الأئمة الأربعة فقد غلط، إذْ لا يجب تقليدهم، ولكن يستعان بكلامهم وكلام غيرهم من أئمة العلم، وينظر في كتبهم رحمهم الله، وما ذكروا من أدلة، ويستفيد من ذلك طالب العلم الموفق، أما القاصر فإنه ليس أهلا لأن يجتهد، وإنما عليه أن يسأل أهل الفقه، ويتفقه في الدين، ويعمل بما يرشدونه إليه، حتى يتأهل ويفهم الطريق التي سلكها العلماء، ويعرف الأحاديث الصحيحة والضعيفة، والوسائل لذلك في مصطلح الحديث، ومعرفة أصول الفقه، وما قرره العلماء في ذلك، حتى يستفيد من هذه الأشياء، ويستطيع الترجيح فيما تنازع فيه الناس. أما ما أجمع عليه العلماء فأمره ظاهر، وليس لأحد مخالفته، وإنما النظر لأهل العلم فيما تنازع فيه العلماء. والواجب في ذلك رد مسائل النزاع إلى الله ورسوله، كما قال الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ[1] الآية، وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[2]، أما أن يجتهد وهو لا يستطيع ذلك، فهذا من الأغلاط الكبيرة، ولكن يسعى بالهمة العالية في طلب العلم، ويجتهد ويتبصّر، ويسلك مسالك أهل العلم. فهذه هي طرق العلم في دراسة الحديث وأصوله، والفقه وأصوله، واللغة العربية وقواعدها، والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي. فيستعين بهذه الأمور على ترجيح الراجح في مسائل الخلاف، مع الترحم على أهل العلم، ومع السير على منهجهم الطيب، والاستعانة بكلامهم وكتبهم الطيبة، وما أوضحوه من أدلة وبراهين في تأييد ما ذهبوا إليه، وتزييف ما ردوه. وبذلك يوفق طالب العلم لمعرفة الحق إذا أخلص لله، وبذل وسعه في طلب الحق، ولم يتكبر.. والله سبحانه ولي التوفيق.
[1] سورة النساء الآية 59.
[2] سورة الشورى الآية 10.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء السابع
وجاء في موقع الشيخ العلامة الفوزان ما يلي:
يقول السائل : ما قولكم لمن يقول: إن التقليد حرام أو لا يجوز مطلقا ؟
الجواب في المقطع الصوتي :



كلام العلامة ربيع المدخلي
كلامه الشيخ حول تقليد الشيخ الألباني -رحمه الله - وغيره من أئمة السنة وبيان منهج السلف في ذلك بحضور الشيخ الألباني #2 كلام العلماء حول((التقليد))رابط المشاركة #2 أبو شهاب جلال المجدوب



قال الإمام أحمد بن حنبل :
ومن زعم أنه لا يرى التقليد ، ولا يقلد دينه أحداً : فهو فاسق عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، إنما يريد بذلك إبطال الأثر ، وتعطيل العلم والسنة ، والتفرد بالراي ، والكلام ، والبدعة ، والخلاف طبقات الحنابله 1/ 31 .


قال الإمام أبي شامة المقدسي عن الشهاب القرافي المالكي في الذخيرة ص 132 طبعة وزراة الكويت: (( قاعدة )) : انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر .


وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس:
وأما الفروع فإنها لما كثرت حوادثها، واعتاص على العامي عرفانها، وقرب لها أمر الخطأ فيها؛ كان أصلح ما يفعله العامي التقليد فيها لمن قد سير ونظر ا. هـ [انظر تلبيس إبليس ص 79 .].


وقال الشاطبي في الاعتصام:
الثاني: أن يكون مقلِّدًا صرفًا خليًا من العلم الحاكم جملة، فلا بد له من قائد يقوده، وحاكم يحكم عليه، وعالم يقتدي به ا. هـ [انظر الاعتصام جـ2 ص 343 .] .


وقال ابن قدامة في روضة الناظر: وأما التقليد في الفروع فهو جائز إجماعًا"، ثم قال: "فلهذا جاز التقليد فيها، بل وجب على العامي ذلك ا. هـ [انظر الروضة ص 206 .].


قال ابن تيمية :
وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز [المراد بالجواز الإذن له فيه . ] عند الجمهور [انظر مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 19 ص 262 .] .

تفسير اية التفقه
تفسير البغوي
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ( 122 ) . قوله عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) الآية . قال ابن عباس في رواية الكلبي : لما أنزل الله عز وجل عيوب المنافقين في غزوة تبوك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعا إلى الغزو ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهذا نفي بمعنى النهي . قوله تعالى : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) أي : فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة ( ليتفقهوا في الدين ) يعني الفرقة القاعدين ، يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام ، فإذا رجعت السرايا أخبروهم بما أنزل بعدهم ، فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم ، وتبعث سرايا أخر ، فذلك قوله : ( ولينذروا قومهم ) وليعلموهم بالقرآن ويخوفوهم به ، ( إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) لا يعملون بخلافه . وقال الحسن : هذا التفقه والإنذار راجع إلى الفرقة النافرة ، ومعناه : هلا نفر فرقة ليتفقهوا ، أي : ليتبصروا بما يريهم الله من الظهور على المشركين ونصرة الدين ، ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم [ ص: 112 ] من الجهاد فيخبروهم بنصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لعلهم يحذرون أن يعادوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار . وقال الكلبي : لها وجه آخر وهو أن أحياء من بني أسد من خزيمة أصابتهم سنة شديدة فأقبلوا بالذراري حتى نزلوا المدينة فأفسدوا طرقها بالعذرات وأغلوا أسعارها فنزل قوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) أي : لم يكن لهم أن ينفروا كافة ولكن من كل قبيلة طائفة ليتفقهوا في الدين . وقال مجاهد : نزلت في ناس خرجوا في البوادي ابتغاء الخير من أهلها فأصابوا منهم معروفا ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال الناس لهم : ما نراكم إلا وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا ، فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا ، وأقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية ، أي : هلا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ويستمعوا ما أنزل بعدهم ولينذروا قومهم ، يعني : الناس كلهم إذا رجعوا إليهم ويدعوهم إلى الله ، لعلهم يحذرون بأس الله ونقمته ، وقعدت طائفة يبتغون الخير . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن الطيسفوني ، حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أبي سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " . أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أنبأنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " . والفقه : هو معرفة أحكام الدين ، وهو ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية ، ففرض العين مثل : علم الطهارة والصلاة ، والصوم ، فعلى كل مكلف معرفته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل [ ص: 113 ] مسلم " . وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على كل واحد ، يجب عليه معرفة علمها ، مثل : علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحج إن وجب عليه . وأما فرض الكفاية فهو : أن يتعلم حتى يبلغ درجة الاجتهاد ورتبة الفتيا ، فإذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعا ، وإذا قام من كل بلد واحد فتعلمه سقط الفرض عن الآخرين ، وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث ، روى أبو أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد . قال الشافعي : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .


تفسير ابن كثير
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ( 122 ) ) هذا بيان من الله تعالى لما أراد من نفير الأحياء مع الرسول في غزوة تبوك ، فإنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا ) [ التوبة : 41 ] ، وقال : ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ) [ التوبة : 120 ] ، قالوا : فنسخ ذلك بهذه الآية . [ ص: 236 ] وقد يقال : إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الأحياء كلها ، وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا كلهم ، ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو ، فيجتمع لهم الأمران في هذا : النفير المعين وبعده ، صلوات الله وسلامه عليه ، تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد ؛ فإنه فرض كفاية على الأحياء . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) يقول : ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) يعني : عصبة ، يعني : السرايا ، ولا يتسروا إلا بإذنه ، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن الله قد أنزل على نبيكم قرآنا ، وقد تعلمناه . فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم ، ويبعث سرايا أخرى ، فذلك قوله : ( ليتفقهوا في الدين ) يقول : ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم ، وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم ( لعلهم يحذرون ) . وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في أناس من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، خرجوا في البوادي ، فأصابوا من الناس معروفا ، ومن الخصب ما ينتفعون به ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال الناس لهم : ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا . فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا ، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله ، عز وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) يبتغون الخير ، ( ليتفقهوا [ في الدين ] ) وليستمعوا ما في الناس ، وما أنزل الله بعدهم ، ( ولينذروا قومهم ) الناس كلهم ( إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) . وقال قتادة في هذه الآية : هذا إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش ، أمرهم الله ألا يعروا نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتقيم طائفة مع رسول الله تتفقه في الدين ، وتنطلق طائفة تدعو قومها ، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم . وقال الضحاك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يحل لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه ، إلا أهل الأعذار . وكان إذا أقام فاسترت السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه ، فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده قرآن ، تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه القاعدين معه ، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا . فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين ، وهو قوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) يقول إذا أقام رسول الله ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) يعني بذلك : أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله صلى الله عليه وسلم قاعد ، ولكن إذا قعد نبي الله تسرت السرايا ، وقعد معه عظم الناس . [ ص: 237 ] وقال [ علي ] بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس : قوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) فإنها ليست في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم ، وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ، ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون . فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم . فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين ، فردهم رسول الله إلى عشائرهم ، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك قوله : ( ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) . وقال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية : كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة ، فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم . فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ، ويتفقهون في دينهم ، ويقولون لنبي الله : ما تأمرنا أن نفعله ؟ وأخبرنا [ ما نقول ] لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم . قال : فيأمرهم نبي الله بطاعة الله وطاعة رسوله ، ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة . وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا : إن من أسلم فهو منا ، وينذرونهم ، حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرهم قومهم ، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة . وقال عكرمة : لما نزلت هذه الآية : [ الشريفة ] ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) [ التوبة : 39 ] ، و ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا [ عن رسول الله ] ) [ التوبة : 120 ] ، قال المنافقون : هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه . وقد كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم ، فأنزل الله ، عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) الآية ، ونزلت : ( والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له ) الآية [ الشورى : 16 ] . وقال الحسن البصري : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) قال : ليتفقه الذين خرجوا ، بما يردهم الله من الظهور على المشركين ، والنصرة وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم .



التقليد عند الشعية


لابدّ لكلّ مكلّف من المسلمين إذا لم يكن مجتهداً ، بمعنى أنّه قادرٌ على استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنّة أن يُقلّدَ مرجعاً جامعاً للشرائط من العلم ، والعدل ، والورع ، والزهد ، والتقوى ، وذلك لقوله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (1).


وإذا بحثنا هذا الموضوع نجد الشيعة الإماميّة قد واكبوا الأحداث ، فلم تنقطع عندهم سلسلة المرجعيّة أبداً من وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وإلى يوم الناس هذا.


وقد واصل الشيعة تقليد الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، وقد استمرّ وجود هؤلاء الأئمّة أكثر من ثلاثة قرون على نسق واحد ، فلم يُخالف واحدٌ منهم قول الثاني (2) ؛ لأنّ النصوص الشرعيّة من الكتاب والسنّة كانت هي المتبعة عندهم جميعاً ، ولم يعملوا بقياس ولا باجتهاد ، ولو فعلوا لكان الاختلاف عندهم شائعاً ، كما وقع لأتباع « أهل السنّة والجماعة ».


ويُستنتجُ من هذا أنّ مذهب « أهل السنّة والجماعة » سواء كان حنفيّاً أم مالكيّاً أم شافعيّاً أم حنبليّاً ، فهو مبنيٌّ على رأي رجل واحد بعيد عن عصر الرسالة ، ولا تربطه بالنّبي أيّة صلة.


أمّا مذهب الشيعة الإماميّة فهو متواتر عن اثني عشر إماماً من ذريّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ينقلُ الابنُ عن أبيه ، فيقول أحدهم : « حديثي هو حديث أبي ، وحديث أبي هو حديث جدّي ، وحديث جدّي هو حديث أمير المؤمنين علي ، وحديث علي هو حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وحديث رسول الله هو حديث جبريل عليه السلام ، وهو كلام الله تعالى » (3).


( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (4).


ثمّ جاءت مرحلة ما بعد غيبة الإمام المعصوم الذي أرجع الناس إلى تقليد العالم الفقيه الجامع للشرائط.


وبدأت سلسلة الفقهاء المجتهدين منذ ذلك العهد إلى اليوم تتوالى بدون انقطاع ، وفي كلّ عهد يبرز في الأُمّة مرجعٌ واحدٌ أو عدّة مراجع للشّيعة ، يقلّدونهم في أعمالهم حسب الرسائل العمليّة التي يستنبطها كلّ مرجع من الكتاب والسنّة ، ولا يجتهد إلّا في الأُمور المستحدثة التي عرفها هذا القرن بسبب التقدّم العلمي والتكنولوجي ، كعمليّة زرع القلب أو أيّ عضو جسدي من شخص لآخر ، أو الحمل الاصطناعي ، أو المعاملات البنكية وغير ذلك (5).


وقد يبرز من بين المجتهدين أعلمهم فيُسمّى المرجع الأعلى للشيعة ، أو زعيم الطّائفة والحوزة العلمية ، والذي يحظى بتقدير واحترام كلّ المراجع الآخرين.


ويقلّد الشيعة على مرّ العصور الفقيه الحيّ الذي يعيش مشاكل الناس ويهتمّ بهمومهم ، فيسألونه ويجيبهم.


وبهذا بقي الشيعة في كلّ العصور يحافظون على المصدرين الأساسيين للشريعة الإسلاميّة من الكتاب والسنّة ، والنصوص المنقولة عبر الأئمّة الاثني عشر من العترة الطاهرة ، وجعلت علماءهم يستغنون عن القياس والقول بالرأي ؛ لأنّ الشيعة اعتنوا بتدوين السنّة النبويّة من زمن علي بن أبي طالب الذي كان يحتفظ بالصحيفة الجامعة ، التي جمعت كلّ ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة ، وكان الأئمّة من ولده يتوارثونها كابراً عن كابر ، ويكنزونها كما يكنز الناس الذّهب والفضّة.


وقد نقلنا قول الشهيد آية الله الصدر في رسالته العمليّة ، والتي ذكر فيها بأنّه لم يعتمد إلّا على القرآن والسنّة.


وليس ذكرنا للشهيد الصدر إلّا مثالاً ، وإلّا فإنّ كلّ مراجع الشيعة بدون استثناء يقولون نفس القول.


وبهذا البحث الوجيز في مسألة التقليد الشرعي والمرجعيّة الدينيّة يتبيّن لنا بأنّ الشيعة الإماميّة هم أهل القرآن والسنّة النبويّة المنقولة مباشرة عن علي « باب مدينة العلم » ، العالم الربّاني ، والمرشد الثاني للأُمّة بعد نبيّها ، من كان في القرآن كنفس النبيّ (6).


فمن جاء للمدينة ودخلها من بابها فقد وصل إلى المعين الصَّافي ، وأخذ بالكيل الوافي والعلاج الشَّافي ، وقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، لقوله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) (7).


ومن أتى البيوت من غير أبوابها سمّيَ سارقاً ، فلم يتمكّن من الدّخول ، ولم يعرف سنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وسيُعاقبه الله على عصيانه.




1. النحل : ٤٣.


2. كيف يختلفون وقد جعلهم الله على لسان نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أحد الثقلين وعدل القرآن ، وأوصى بالتمسّك بهم وأنّه العاصم من الضلال ، فكما لا اختلاف ولا تناقض في القرآن ، كذلك لا اختلاف ولا تناقض في أقوال العترة المعصومين عليهم السلام ، وهذا هو مقتضى حديث الثقلين.


ثمّ إنّه لا ينتقض علينا بما ورد من الاختلاف والتناقض فيما نسب إلى الأئمّة عليهم السلام لأنّه أوّلاً : يرد هذا النقض على ما ورد عند أهل السنّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً حيث كثرت الأحاديث المختلفة والمتناقضة فيها وثانياً توجد عدّة عوامل وأسباب لظهور هذا الاختلاف من قبيل الدسّ والوضع ، أو ما اختلف بحسب الزمان والمكان ، وإلّا فلا اختلاف في أقوال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمّة من عترته عليهم السلام.


3. نحوه في الكافي ١ : ٥٣ ح ١٤.


4. النساء : ٨٢.


5. في كتاب « الانتصار للصحب والآل : ١٦٨ » للدكتور إبراهيم الرحيلي في معرض ردّه على المؤلّف ذكر أن المؤلّف في الصفحات السابقة ذكر أنّ الشيعة تقيّدوا بالنصوص الشرعيّة الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، بينما هنا يقرّر أنّ الفقهاء والمجتهدين يتولّون في كلّ عصر استنباط الأحكام الشرعيّة من النصوص ! وهذا تناقض ، إذ كيف يمكن القول بأنّهم تقيّدوا بالنصّ والقول بأنّهم استخدموا الاجتهاد في استنباط الأحكام ؟


وفي الجواب على هذا الكلام نقول : إنّه ليس هناك تهافت في كلام المؤلّف حيث إنّ استنباط الأحكام الشرعيّة من قبل الفقهاء لا ينافي تقيّد الشيعة بالنصوص الشرعيّة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ؛ لأنّ الفقيه يستنبط الحكم الشرعي من الكتاب الكريم والأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، ودائرة عمله تكون في حدود فهم النصّ ودراسة الظروف والملابسات والقرائن الحافة به واستخراج الحكم الشرعي منه ، فهو الذي يقوم بعرض الروايات على الكتاب الكريم ، وتنقية الصحيح من السقيم ، والموافق للكتاب من مخالفه ، حتى يستخرج الحكم الشرعي الصحيح الوارد في النصوص الشرعيّة.


وهذا خلافاً لأهل السنّة والجماعة حيث إنّهم عند فقد النصّ يرجعون إلى القياس والاستحسان وسنّة الصحابة والمصالح المرسلة ممّا لم يرد دليل شرعي يجوّز الاعتماد عليها والرجوع إليها عند فقد النصّ الشرعي. فلا يوجد تخالف في كلام المؤلّف وإنّما التخالف في ذهن الرحيلي لا غير.


6. إشارة إلى الآية : ٦١ من سورة آل عمران في قوله تعالى : ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) ، فدعا علي بن أبي طالب. أخرجه مسلم في صحيحه ٧ : ٢١ « كتاب الفضائل ، باب فضائل علي عليه‌السلام ».


7. البقرة : ١٨٩.